حديث الجمعة 271: الذنوب التي تحبس الدعاء - عقوق الوالدين - المواسم العاشورائية ومسؤوليات الأجيال - بعض كلماتٍ
تاريخ: 2011-12-01 م | الموافق: 5 محرم الحرام 1433 | المكان: مسجد الإمام الصادق(ع) بالقفول
العلامة الغريفي: صرخات (يا حسين) ترهب كل الطغاة والجناة والجبابرة والفراعنة وكل المفسدين والعابثين في الأرض
*
*
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين...
نتناول بعض العناوين:
الذنوب التي تحبس الدعاء:
جاء في دعاء كميل: «اللهمّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء».
من الذنوب ما يكون مانعًا من استجابة الدعاء..
ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السّلام: «إنّ العبدَ يسأل الله الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجلٍ قريبٍ أو إلى وقتٍ بطيئ، فيذنب العبد ذنبًا، فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقضِ حاجته واحرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان منّي».
*
ومن أمثلة الذنوب التي تحبس الدعاء:
(1) عقوق الوالدين:
عقوق الوالدين إحدى الكبائر وتأتي في سياق الشرك بالله تعالى، كما في الحديث المروي عن الإمام الصّادق عليه السَّلام حيث عدّد الكبائر وذكر منها: الإشراك بالله، والأياس من رَوْح الله، والأمن من مكر الله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرّم الله، وقذف المحصنات إلى آخر الحديث...
وعقوق الوالدين من السّبع الموُبقات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرّب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف.
إنَّ لعقوق الوالدين آثارًا خطيرة جدًا في الدّنيا والآخرة، فكما تحدَّثت الروايات:
- فالعاقّ لوالديه لا يُستجابُ دعاؤه.
- والعاقّ لوالديه يُبتلى بعقوق أولاده.
- والعاقّ لوالديه يُبتلى بالفقر وضيق المعيشة.
- والعاقّ لوالديه يُشدّد عليه سكرات الموت.
- والعاقّ لوالديه يُشدّد عليه عذابُ القبر.
- والعاقُ لوالديه ملعونٌ (أيّ مطرود من رحمة الله تعالى).
- والعاقّ لوالديه لا يشمُّ ريحَ الجنّة.
- والعاقّ لوالديه لا يرى رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم القيامة.
- والعاقّ لوالديه يُفتح له بابان إلى النّار.
هذه آثار خطيرة خطيرة تواجه عاق الوالدين، إلّا أن يتوب ويكفّر عمّا صدر عنه مِن عقوق، ولو بعد موت والديه...
• قال الإمام الباقر عليه السَّلام:
«إنّ العبدَ ليكون بارًّا بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما، ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عاقًّا، وإنّه عاقّا لهما في حياتهما، غير بارٍّ لهما، فإذا ماتا قضى دينهما، واستغفر لهما، فيكتبه الله عزّ وجل بارًّا».
لقد صدر لنا (سلسلة أحاديث من وحي القرآن والسُّنّة) الحلقة الأولى بعنوان (عقوق الوالدين من كبائر الذنوب والموبقات المهلكات) فمن أراد أن يطّلع على المزيد عن عقوق الوالدين، فليقرأ هذه الحلقة، ففيها الكثير من التفاصيل حول هذا الموضوع.
للحديث تتمّة إن شاء الله...
*
المواسم العاشورائية ومسؤوليات الأجيال:
تتحمّلُ أجيالنا ثلاثَ مسؤولياتٍ رئيسةٍ تجاه المواسم العاشورائية...
ونعتني بالموسم العاشورائي الذكرى السنوية لاستشهاد الإمام الحسين عليه السَّلام، ويبدأ هذا الموسم بالأول من محرم الحرام، وتكون ذروتُه في العاشر من المحرم اليوم الذي قُتل فيه الإمام الحسين وأصحابه...
*
تتحمّلُ أجيالُنا مجموعةَ مسؤولياتٍ تجاهُ المواسم العاشورائية نخصّ بالذكر
منها ثلاث مسؤوليات رئيسة:
• الحفاظ على استمراريّة المراسيم العاشورائية (الشعائر العاشورائيّة).
• الحفاظ على أصالة المراسيم العاشورائيّة.
• التطوير والتجديد.
*
المسؤوليَّة الأولى:
الحفاظ على استمرارية المراسيم العاشورائيَّة:
ونعني بالمراسيم العاشورائية:
- مجالس العزاء.
- مواكب العزاء.
(المفصلان الأساسيان في المراسيم العاشورائية).
- كلّ الفعّاليات التي تعبّر عن إحياء ذكرى عاشوراء كالمهرجانات العاشورائية، والمسارح العاشورائية، والمراسيم العاشورائية، والإصدارات العاشورائية، والبرامج العاشورائية، والكلمات العاشورائية، والفضائيات العاشورائية، والإذاعات العاشورائية، وكلّ جُهد ثقافي واجتماعي يساهم في إحياء الموسم العاشورائي...
فالأجيال التي تؤمن بعاشوراء الحسين تتحمّل مسؤولية كبرى في الحفاظ على استمرارية وبقاء هذه المراسيم العاشورائية، ولا يجوز التفريط في ذلك أبدًا..
ولكي تبقى عاشوراء حاضرةً في عقلِ الأجيال، ولكي تبقى عاشوراء حاضرةً في وجدان الأجيال، ولكي تبقى عاشوراء حاضرةً في حركةِ الأجيال يجب أن تستمر شعائر ومراسيم الإحياء العاشورائي، وهذا ما أكّد عليه الأئمّةُ من أهل البيت عليهم السَّلام حينما بذلوا جهودًا مكثّفة في ربط الأجيال فكريًا وعاطفيًا بقضية الإمام الحسين وبقضية عاشوراء، معتمدين مجموعة وسائل، أذكر منها هاتين الوسيلتين:
*
الوسيلة الأولى:
زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام:
فمن كلماتهم في ذلك:
• قول الإمام الباقر عليه السَّلام:
«مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السَّلام، فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمنٍ يقرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ وجلّ».
• وقول الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«مَنْ سرَّه أن يكونَ على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوَّار الحسين بن عليّ عليه السَّلام».
• وقول الإمام الكاظم عليه السَّلام:
«أدنى ما يثاب به زائر الحسين عليه السَّلام بشطِّ الفرات إذا عرف بحقّه وحرمته وولايته أن يغفر له ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر».
وإذا عجزت أن تذهب إلى كربلاء فقف على سطح بيتك، وتوجَّه إلى صوب كربلاء وسلِّم على الإمام الحسين.
• تقدَّم هذا الحديث عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام وهو يخاطب سدير: تزور الحسين في كلِّ يوم؟
قال سدير: جعت فداك لا...
قال الإمام: ما أجفاكم فتزوره في كلِّ جمعة؟
قال سدير: لا..
قال الإمام: فتزوره في كلِّ شهر؟
سدير: لا.
قال الإمام: فتزوره في كلِّ سنّة؟
سدير: قد يكون ذلك.
قال الإمام: يا سدير ما أجفاكم بالحسين عليه السَّلام..
وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين عليه السَّلام في كلِّ جمعة خمس مرات، وفي كلِّ يوم مرة..
سدير: جعلت فداك إنّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة.
فقال الإمام: تصعد فوق سطحك، وثمّ تلتفت يُمنةً ويسرةً ثمّ ترفع رأسك إلى السَّماء، ثمّ تتحوَّل إلى قبر الحسين عليه السَّلام ثمّ تقول:
«السَّلام عليك يا أبا عبد الله، السَّلام عليك ورحمة الله وبركاته» تكتب لك زورة، والزورة حجةٌ وعمرة..
فقال سدير: فربّما فعلته في النهار أكثر من عشرين مرة..
هكذا جذّر الأئمة (ع) مِن خلال (الزيارة) العلاقة مع الإمام الحسين، ومع عاشوراء الحسين، ومع أهداف الحسين، ومع ثورة الحسين..
فالزيارة ليست مجرَّد كلمات تطلق، وإنَّما جزء من (مشروع التأصيل الثوري) في حركة الأجيال... فعاشوراء ثورة ضدّ الظلم، وضدّ الفساد، وضدّ الانحراف...
*
*
وأخيرًا هذه بعض كلماتٍ:
أضعها بين أيديكم وأنتم تعيشون موسم عاشوراء:
الكلمة الأولى:
حافظوا على عنوان (الحسين) وعنوان (عاشوراء) في كلِّ ما تمارسونه من فعّاليات هذا الموسم...
ربّما يعيش البلد في هذا العام وضعًا سياسيًا وأمنيًا استثنائيًا، إلّا أنّ هذا لا يبرّر أن تفقد عاشوراء صبغتها وطابعها وخطابها وأهدافها، وإذا كنّا نرى أنّ الحراك السِّياسي في المطالبة بالحقوق العادلة عملًا مشروعًا وضروريًا، إلّا أنّ هذا لا يسمح لنا أن نحوّل عاشوراء حراكًا سياسيًا بحتًا، وإنّ عاشوراء لها مساحتها الأكبر والأشمل فهي تتسع لأبعاد دينية، عقائدية، فكرية، روحية، أخلاقية، اجتماعية، سياسية...
كما يجب أن لا تقحم عاشوراء في التوترات الأمنية، وإذا كنا نريد لعاشوراء أن يكون لها حضورها فيما هي قضايا وهموم السّاحة، إلّا أن نهج التعاطي مع هذه القضايا والهموم يجب أن يكون نهجًا يحمل عنوان الحسين وعنوان عاشوراء، لا أن يستنسخ هذا التعاطي نهج الحراكات السّياسية البحتة في خطاباتها وشعاراتها...
خطاب عاشوراء، وشعار عاشوراء هو الأقوى والأقدر في إنتاج الشموخ والموقف والصمود من أيّ شعار سياسي أو خطاب سياسي...
أيّ خطاب أو شعار يفعل ما تفعله مواقف عاشوراء، ما تفعله شعارات عاشوراء، وكلمات عاشوراء:
• «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد».
• «إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برمًا».
• «والله إن قطعتموا يميني، إنّي أحامي أبدًا عن ديني».
• «لا نبالي أن نموت محقّين... وقع الموت علينا أو وقعنا على الموت».
• «الموت فيك يا عم أحلى مِن العسل».
صرخات (يا حسين) يجب أن تبقى عنوان عاشوراء..
صرخات (يا حسين) تصنع العنفوان والشموخ والصمود والإباء والفداء.
صرخات (يا حسين) بلسمٌ لكلّ الجراحات والعذابات والعناءات..
صرخات (يا حسين) تُرهب كلّ الطغاة والجناة والجبابرة والفراعنة وكلّ المفسدين والعابثين في الأرض...
*
الكلمة الثانية:
لنكن جميعًا حرّاسًا وأمناء لحماية قداسة ونظافة أجواء الموسم العاشورائي، في مواجهة كلّ الممارسات التي تحاول أن تسيئ إلى هذه القداسة والنظافة، وإذا كان هناك مَنْ يمارس بعض الأعمال الشائنة وغير اللائقة بالأجواء العاشورائية، كظهور بعض النساء بأزياء لا تنسجم مع جو عاشوراء، وتتنافى مع ضوابط الشرع وقيم الدين، وكحالاتٍ من الاختلاط غير المشروع، وكبعض السلوكيات الشاذة التي تضر بسمعة هذا الموسم، فمسؤولية كلّ الغيارى على المذهب وعلى عاشوراء الحسين أن يتصدّوا بشدة لهذه الممارسات والأعمال الشائنة والملوثة لسمة الموسم العاشورائي...
ورغم أنّ هذه الحراسة والحماية هي مسؤولية كلّ شيعي غيور، على مذهبه، وعلى سمعة شعائره، فإنّنا ننصح أن تتشكّل (لجانُ رقابة) في كلِّ المناطق، وظيفتها حراسة وحماية أجواء الموسم العاشورائي، وإيقاف كلّ أشكال الإساءة لهذه الأجواء، وهذا عملٌ من أفضل الأعمال التي تقرّب إلى الله تعالى، وتمثل مشاركةً كبيرة في شعائر عاشوراء..
*
الكلمة الثالثة:
نستقبل عاشوراء هذا العام، وآلافُ الأسر تئنّ مُثقلةً بضرورات المعيشية نتيجة جور الأحداث التي طالتهم بكلّ ظلمها وبطشها وقسوتها، هؤلاء الذين يحملون هذا الولاء رغم كلّ الظلم والقهر والجور الذي لاحقهم..
أيّها الأحبّة إنّ عاشوراء الحسين تخاطبكم أن تحملوا همَّ هؤلاء المُثقلين بالمعاناة، والألم، والعذاب، فثورة عاشوراء، من أولويات أهدافِها الانتصار للمحرومين والمظلومين والمعذّبين...
فباسم الحسين، وباسم عاشوراء الحسين، قدّموا كلّ العون والدعم لهؤلاء من أبناء عاشوراء الحسين، امسحوا الدموع من عيونهم، وعيون أطفالهم، لتبقى الدموع من أجل مأساة الحسين... ولا شكّ أنّ بذلًا في هذا الطريق يفوق قيمةً عند الله، وعند الحسين، الكثير ممّا يُصرف في هذا الموسم الكبير، في وجوهٍ هي عند الله أيضًا كبيرة وأجرها عظيم، إلّا أنَّ مَنْ أعال أسرةً محتاجة فله من الثواب ما يعادل سبعين حجة مستحبة، ومَنْ كسا فقيرًا كساه الله من حلل الجنّة، ومَنْ فرَّج كربة مؤمنٍ فرَّج الله عنه كربات يوم القيامة...
[i]